هل نتقبل منازلنا بتصاميم "تراثية"
؟
ملاحظة: استخدمت كلمة "تصاميم تراثية"
للتعبير عن انتماء لزمن سابق. وليس مفهوم التقليدية او نقل الزمن السابق كما هو.
من الملفت حينما يتم تصميم منزل، او مبنى
تجاري خاص، غالبا لا يرغب رب العمل باحتواء مبناهم على عناصر تراثية
او ذات سمة تاريخية على الرغم من المعالجة وفق متطلبات الزمن المعاصر وليس نقلا عن
السابق، وقد يؤيد كثير من المعماريون الشباب والممارسين للمهنة ذلك. وهذا الرفض
وصل الى طبقة المثقفة أحيانا. فرغم قبول رب العمل بالتصاميم تجدهم يقارنوها بمناطق
قد سافروا اليها وعاشوا تجربة الإقامة فيها او بقربها ويتقبلون فكرة الانتماء
والهوية والجمالية التي تحملها تلك المناطق، الا انهم قد لا ينفذون التصاميم كما
هي، وهذا الموقف يستحق البحث فيه.
"كل بيت يحتوي على قوس" يقال ان هذا
كان احد القوانين الواجب تحقيقها لاصدار إجازة البناء للمنازل في لفترة من تاريخ
العراق، ولم يتم تحديد نوع القوس وقياساته او عدد مرات تكراره في الواجهة لعلها
تصنع في تكرارها نوعا من الانتماء. لكنها واجهت معارضة كبيرة من قبل المعماريين والسبب
كونها تعارض "حرية التفكير والتصميم" الخاصة بكل مهندس معماري، وان تلك
المحددات تقلل من ابداع المهندس المعماري في انتاج اشكال جديدة، وقد يكون (كل
ممنوع مرغوب) احد أسباب هروب المعماري من ذلك القانون آنذاك.
“I
don’t know why people hire an architect and then tell them what to do” Frank
Gehry
اما على مستوى المخططات الافقية فان البيت
البغدادي ذو الفناء الوسطي اصبح أيضا من المقترحات المرفوضة او غير الواقعية في
اغلب تصاميم المنازل المعاصرة. والسبب الرئيسي هنا هو صغر المساحات المتوفرة
للمنازل السكنية التي قد لا تستوعب احتواءها على الفناء بل ان الغرف اكثر أهمية من
الفناء لغلاء سعر الارض بالإضافة الى تغير أسلوب حياة العائلة والرغبة في عزل
الفضاءات الداخلية للمنازل او تقسيم المباني افقيا او عموديا لمواجهة أي توسع
محتمل في العائلة (عائلة ممتدة).
الامتعاض من البناء، صفة ملازمة لاغلب ارباب
العمل اثناء التنفيذ وصل مرحلة التهكم. اذ ان الشخص اذا أراد ان يصيب جاره او
صديقه التعب يقول له "ان شاء الله يصير عندكم بناء ببيتكم" لما يصاحب ذلك
من تأخر الإنجاز والاخطاء التنفيذية. والسبب غالبا هو عدم تكليف مهندس اثناء العمل
بل ان قائد العمال (الخلفة) يدير العمل كما يريده هو وليس كما مخطط له. وفي ضياع
التخطيط تضيع كثير من التفاصيل المصممة في الواجهة لانها قد تأخذ وقتا أطول او
تحتاج الى كلف ومواد إضافية اثناء التنفيذ.
اما
عن الحرفيين فقد تضاءلت اعدادهم واخاصة اثناء فترة الحصار الاقتصادي الذي حل
بالعراق عام 1991 وتوقف كل مظاهر البناء على مستوى المجتمع وتحولهم الى مهن أخرى اثر
سلبا على الية البناء وخاصة في تفاصيل الواجهات.
ولكي نلخص الأسباب لابد من ذكر ان عمارتنا
فقدت الكثير اثناء فقدانها الطابوق (جف قيم) كمادة رئيسية في تغليف الواجهة. واذا
دخول الحجر في فترة ما كمادة انهاء الواجهات أطاح بالتراث سابقا كما تطيح الواح
الامنيوم Composite Cladding بالتراث حاليا رغم ان الحجر
اقوى واجمل من الالمنيوم. أي ان البناء يسير باتجاه الأسوأ مع مرور الزمن مالم يتم
وضع قوانين تحدد ضوابط للمواد والية لتطبيق القانون.
وفي محاولة لوضع حلول بدلا من الانتقاد فقط, بالإمكان
الاستفادة من تجربة (بلدية دبي) التي اعدت مواصفات وقوانين لكل مبنى من مبانيها،
وشملت حتى القياسات والارتفاعات وأسلوب تركيب التفاصيل. ولم يشمل ذلك المباني
الحديثة فقط، بل وضعت قانون خاص (للبيت العربي) وهو مشابه للبيت البغدادي لكن
يختلف في التفاصيل الدقيقة فقط. اما عن طريقة تطبيق قانون البلدية فعندما سالت
شخصا عراقيا مقيما في دبي صلاحيات بلدية دبي فاجابني في تشبيه سلطتها بـ
"الشعبة الخامسة" الشهيرة في بغداد وان لا شي يوضع على الأرض في أي مكان
من دبي الا بموافقة البلدية وموظفيها الحريصون جدا على تطبيق كل القوانين بدقة
متناهية ونزولهم المفاجي في كل مواقع التنفيذ ومراقبة كل الاخطاء قبل حدوثها.
اما بالعودة لبغداد في زمن
"الحرية"، اتوقع ان العودة لقانون القوس في الواجهة او تحديد مادة معينة في الانهاءات الخارجية اقل
ضررا من بناء مدن عشوائية بالكامل من ناحية التخطيط والتصميم. حتى وان تم تطبيقه
على مناطق محددة من بغداد لنكتشف حينها هل
ان تطبيق نظام وسط الفوضى افضل؟ ام ان الفوضى ضمن النظام افضل؟ رغم اني المقترح الأول
اسهل تنفيذه.
اما على مستوى التطبيق في الوضع الحالي، يلاحظ
ان الاكثار في التفاصيل التراثية كعناصر او علاقات او مواد انهاء يحافظ على 30% على اقل تقدير في تطبيقها. وان وضع عنصر
تراثي واحد قد يتم تغييره والنتيجة 0% من المطلوب.
الصورة المرفقة تصميم منزل في المنصور لمواطن
بغدادي من الطبقة المثقفة عملا بالنصيحة المذكورة أعلاه. علما ان رب العمل واحدا
من اكثر الراغبين بتنفيذ المنزل كما تم تصميمه رغم التغيير في عدد الطوابق.
No comments:
Post a Comment