Tuesday, October 21, 2014

مصادر الشكل في التصميم المعماري – موضوع اكاديمي

ملاحظة: تم طرح الموضوع في المدونة  بناء على طلب  بعض طلاب المرحلة الثالثة  للعام 2014-2015 - هندسة العمارة - الجامعة التكنولوجية 


ان التطرق لموضوع مصدر الشكل له اهميتان, الاولى في تحديد منهج التصميم الذي تتخذه العمارة لتحقيق نتاجاتها, والثانية عن طريق اضافة وظيفة اخرى (تعبيرية, رمزية, دلالية) للنتاج,  ففي حالة تشابه نتاجين في المحددات والوظيفة, فان النتاج النابع عن مصدر يكون اكثر قبولا واداءا عن النتاج الذي يحقق وظيفة الحماية فقط. كونه يساهم في اغناء الوظيفة الاساسية كماهية للشئ لو ماهية وظيفته, او الاثنان معا.

تطرقت العديد من الدراسات إلى موضوع مصادر الشكل المعماري من خلال وصفها لعملية اشتقاق  الشكل:-
اولا: صنف (Broadbent, 1991,) في دراسته (مصادر الشكل) تبعاً إلى وجود اربع صيغ مختلفة لعمليات الخلق ممكن الاعتماد عليها في تفسير اشتقاق الشكل المعماري وهي:
(1)              التصميم المنفعي (Pragmatic Design)  الذي يتم فيه اشتقاق الشكل من خلال الاختبار التجريبي للانموذج المقترح بحيث يحقق افضل تكييف للبيئة والظروف الحضارية (اجتماعية , سياسية , اقتصادية , جمالية .... الخ) مما يعني ان الشكل ناتج عن وظيفته المقصودة.
(2)             التصميم النمطي (Typological Design) يشتق من الشكل في هذا النوع بمرحلتين الأولى تحديد انماط سابقة والثانية تطبيق تلك الانماط لاشتقاق الشكل ويتم تقبل المجتمع لتلك الأشكال بسبب الارتباط العرفي بتلك الأنماط مما يعني ان مصدر الشكل هذا يعزى إلى النماذج المتعارف عليها في المجتمع.
(3)             التصميم بالمماثلة (Analogical Design) يتم اشتقاق الشكل من خلال المشابهة الشكلية مع مراجع مختلفة اذ استخدم هذا النوع العديد من المعماريين وحققوا ابداعات فردية ما زالت تذكر لهم فمثلاً برزت صدفة السرطان التي استخدمها لي كوربزية في كنيسة رونشام وزنابق الماء التي استخدمها (فرانك لويد رايت) في مصنع (أHghghJohnson Wax Factory) . واخرى غيرها مما يعني ان مصدر الشكل يعود إلى مراجع غير معمارية (طبيعية او من صنع الانسان).
(4)             التصميم القانوني (Canonical Design) يشتق الشكل من خلال اعتماد أشكال هندسية. ايا كان مصدر الشكل الذي يعود إلى اسس ومبادئ هندسية ورياضية. وبذلك يتبين تعدد المصادر الخاصة بالشكل المعماري وتشمل: ( جوانب تتعلق بالوظيفة , نماذج سابقة من داخل حقل العمارة او خارجها , وقواعد أسس هندسية وشكلية)

ثانيا: مصادر الشكل في الطبيعة فتشمل:
(1)         اشكال الطبيعة الحية: وتشمل الأشكال ذات الطبيعة العضوية كأشكال النبات والحيوان, والذي يعرفها البيوليجيون بأنها محصلة تفاعل القوى الداخلية والخارجية وعندما يصل تأثير القوى إلى حالة من التوازن فان الشكل يكون متكاملا.
أ‌-        الشكل في النبات: ان ما يميز الأشكال العضوية عن غير العضوية هو وجود ظاهرة النمو في الأولى. فعلى الرغم من النمط البدائي والعلاقات الثابتة في فيه الا أن مظهر النبات يعبر عن حالة موازنة في مجموع القوى المكونة له. كما في الشكل (1),
استخدام شكل الغابات الطبيعية في تسقيف محطة القطارات الشرقية في ليسبون, البرتغال
(Santiago Calatrava, 1996)

ب‌-   الشكل في الحيوان: ان الشكل في الحيوان اكثر تعقيدا مما في النبات بسبب تعددية أنماط الحياة في الحيوان إضافة إلى التعددية المظهرية في شكل الحيوان. وأشارت دراسة (Whyte) إلى إمكانية تصنيف مظاهر شكل الحيوان إلى ثلاثة مفاهيم رئيسية هي, (الاختفاء, التنكر, والإعلان). وان هذه العلاقة في مستويين:
·          في الاجراء (اي في شكل الحيوان ذاته). شكل (2)
·      في الكل (اي في شكل الحيوان والبيئة).
 صورة التكوين النهائي لملحق محطة القطار في مطار ساتالاس, ليون, فرنسا يوضح استخدام شكل الطائر.
 (Santiago Calatrava, 1994)
 


أ‌-          اشكال الطبيعة غير الحية: وتشكل هذه الطبيعة وتكويناتها مصدرا غنيا للمفكرين والمصممين على مر العصور, ان جمال الاشكال مركب في الية الطبيعة ذاتها. فاشكال الجبال والتلال الرملية تكون احمالها في الاسفل اعلى مما هو في الاعلى وهو يلائم مقطعها الصغير في الاعلى والكبير في الاسفل. هذه الاشكال غير الحية قد تتخذ اشكالا هندسية مثل اشكال البلورات الثلجية السداسية مما يزيد في جمالية تنوعها.


ثالثا: كشف (Candelsonas, 1980) عن توجهين للعمارة , الأول التوجه النظامي (ٍSystem Approach) الذي يفسر النتاج المعماري بأنة نتاج تطبيق نماذج إحصائية رياضية للحصول على الشكل المعماري ثلاثي الأبعاد. بينما التوجه الثاني العمارة كنظام للمعاني الحضرية (Architecture as System of Cultural meaning) فقد فسر العمل المعماري بأنه نتاج لعملية معالجة متخصصة للمعاني الحضرية ويركز على المفاهيم المزدوجة نسبة إلى التشابه والاختلاف. وبذلك فأنه صنف مراجع الشكل تبعاً للتوجهات الفكرية التي تتمثل حسب هذه الدراسة بأسس ومبادئ هندسية رياضية (توجه علمي منهجي) , إضافة إلى المعايير الحضرية ( اجتماعية , اقتصادية , جمالية , رمزية .. الخ) (توجه حضاري).
رابعا: اوضحت دراسة (Gelernter) خمس نظريات متنوعة لمصادر الشكل المعماري امتداداً من الفكرة القائلة ان الأشكال نتاج الخيال المبدع للمصمم إلى الفكرة القائلة إنها مشتقة من وظيفة ومناخ ما يلي:
(1)             نظرية الحتمية الوظيفية
((2            نظرية روح العصر السائدة
(3)             نظرية الحتمية الاجتماعية _ الاقتصادية السائدة.
(4)             نظرية الابتكار والابداع :تعطي صياغة إحساس او شعور خاص بالشكل لدى المصمم فهو يضع افكاراً قديمة بطريقة جديدة غير مسبوقة وهذا ما يدعى بالعبقرية الفردية. كما تفسر النظرية كيف ان الابنية المختلفة لاي معماري تظهر مواضيع وافكار متكررة بالرغم من اختلاف متطلباتها.
نماذج من الترابط الحر (الطريقة الابداعية في التصميم)

(5)             نظرية الاسس والمبادئ العامة: تقترح اعتماد اشكال عالمية معينة تمثل اساس العمارة الجديدة في العالم مهما اختلفت ظروف المشكلة التصميمية , المصمم , والثقافة وتشمل مرجعين:
أ‌-                 الامكانيات الهندسية لشكل البناء التي تسمى (الانماط) مثل ( الباسيليكا Basilica  , الفناء او الباحة , الردهة , الصالة الكبيرة Atrium) وغيرها حيث تمثل اساس العديد من النسخ الشكلية لذلك النمط .
الاسس والمبادئ العامة للشكل وهي اكثر تجريداً وقابلية للتطبيق من الانماط وتتجسد في اسس الطرز المعمارية الخمسة (Tuscan , Doric , Ionic , Corinthian , Composite) اذ ان كل طراز يعرض قواعد لنسب الاعمدة والفضاءات بينها , السطوح القائمة على اعمدة نسبة إلى الاعمدة , تفاصيل الزخرفة والتزيين .. الخ. كما تتجسد ايضاً في المبادئ العالمية للشكل المرئي وهي ( الايقاع, التناظر , النسبة , المقياس , التضاد , اللون .. الخ) وهذه قابلة للتطبيق عالمياً اكثر من اسس الطرز المعمارية.

هذا الموضوع منقول من أطروحة الماجستير "الابعاد الادائية في العمارة" للباحث اوس جواد جعفر، الجامعة التكنولوجية، قسم الهندسة المعمارية, 2012. وتم طرحه بشكل اشمل مع مفهوم العلاقات ضمن فصل أداء التكوين الشكلي.

Thursday, October 9, 2014

العمارة كموحد للشعوب - تجربة البيت الواحد


هل العمارة توحد الشعوب؟


بعيدا عن المثالية في الإجابة على هذا السؤال...لكن عندما نجد ان "كرة قدم" قد ساهمت جزئيا في توحيد إقليم برشلونة "الطامح للانفصال" عن اسبانيا ضمن دولة موحدة كي تبقى المنافسات الكروية كما هي. افلا يمتلك اي نتاج معماري من توحيد الشعوب ضمن فكرة اكثر سموا؟

نبدا من المجتمع، يلاحظ ان المشاكل السياسية والدينية تتسع، وهذا المشاكل ليست بين التابعين للاديان السماوية فقط ولكن أيضا للطوائف والجماعات ضمن الدين الواحد وصل لحدود ان يقتل الانسان -(وهو كائن حي بامر من الخالق "في معتقداتهم") - أخيه الانسان بناء على فكر يناقض أفكار القاتل. تماما كما تفعل الفايروسات والميكروبات في جسم الانسان والكائنات أخرى حينما تفتك باي شيء يعيق تقدمها لمجرد ان يعارضها. لكن حتى الميكروبات "بوحشيتها" قام المعماريون بتوحيدها في تصميم متحف يجمع اغلب ميكروبات العالم تحت سقف واحد في أمستردام / هولندا مؤخرا عبر جهد استغرق 12 عاما من العمل والاجتهاد، بل وتم ايضا تقديم فوائد المكروبات اكثر من المضار في ذات المتحف. ورغم ان اعداد الميكروبات اكثر من عدد سكان الأرض باضعاف مضاعفة، لكن كانت تجربة جمع نماذج منها وزيادة المعرفة عن قرب تبشر بثروة علمية كبيرة.



بالعودة للعمارة، غالبا ما يعتبر برج ايفل وباريس رمزا من رموز الرومانسية، وجزر فينيسيا رموزا للجمال، وسور الصين العظيم كرمز للقدرة البشرية اذا ما توحدت بفكرة واحدة، وبرج خليفة في دبي رمزا للتحدي الهندسي لقوانين القوى المؤثرة بالمباني لكونه اعلى نقطة ارتفاع عن الأرض حاليا. ولا يفوتنا ان الكعبة اقدس رمز وبقعة من رموز المسلمين على اختلاف طوائفهم ورغم اختلاف البيئات التي ترعرعوا فيها وهي مثال حي على تطبيق الفكرة. وعلى الرغم من التباين من الموقف بين مشروع واخر لكن الفكرة ناتجة عن قرار جماعي للمجتمع وهي "الوحدة الفكرية".


 وهذا القرار الجماعي للمجتمع لم يتم فرضه على المجتمع، أي ان فكرة وحدة الرأي لا تتحقق بالقوة بل بسياسة التأثير والاقناع او التجربة والسلوك، يشير كارل ماركس في نظرية الاستعمار "وهو نوع من أنواع فرض الرأي" لا يمكن استعمار مجتمع ما ولديه معارضة فكرية، وان المعارضة الفكرية للمجتمع اشد على المستعمرين من المعارضة الجسدية. وهذا الامر استثمره اليهود وهم ينفذون المتحف اليهودي في برلين والذي يجسد مجازر الهولوكوست التي قامت بها القوات النازية في مراحل ذكرها التاريخ بعدها، هذا المتحف تم تشييده في المانيا لإحداث التأثير والاقناع المطلوب. بينما يحدث لأقوام أخرى الاف المجازر وبشكل ابشع لكنهم لم يستثمروا تلك في تحشيد الرأي لأثارة التعاطف وقد يقوموا بتصميم نصب بائس في موقع مهمل ولا نفع او تأثير له.
صورة لواجهة المتحف توضح ضربات السيف كاستعارة للالم
صورة للمسارت المتعرجة للمبنى لتجسد فكرة الطرق الصعبة التي سلكوها للنجاة
صورة للمرت الضيقة للتاثير بعدم الراحة على الزائر وتجسيد الضربات بالجسد بالجسور المائلة
ارضية الممرات الخارجية على شكل وجوه كتجسيد للناس وهم يصرخون الموت



فكرة جريئة جدا في العاصمة الالمانية برلين أيضا، ولجمع الديانات السماوية الثلاث، يتعاون مسلمين ويهود ومسيحيين لبناء مكان يستطيع أن يصلي فيه الجميع يطلق عليه "البيت الواحد"، وهو اول مجمع للعبادة يجمع اتباع تلك الديانات السماوية تحت سقف واحد في العالم وسيحتل مجمع الأديان المزمع إقامته مكانا بارزا في ساحة "بيتريبلاتس" في وسط برلين.


تمت إقامة مسابقة للتصميم المعماري للمبنى وبالفعل أختيار الفائز. وسوف يضم هذا المكان تحت سقف واحد مسجدا ،معبدا يهوديا وكنيسة.  بناء من الطوب يتوسطه برج مرتفع، وفي الفناء بالأسفل ستكون أماكن الصلاة للديانات الثلاث المعبد والكنيسة والمسجد. ويشرح المصمم الفائز بالمسابقة "ويلفريد كوهين" أن الأماكن المخصصة للديانات الثلاث ستكون متساوية في المساحة، لكن بأشكال مختلفة. وكل مساحة صُممت وفقًا للاحتياجات التي يقتضيها الدين الذي تعبر عنه، أي خصائص كل عقيدة .

ونقلا عنه، اثناء بحثه وفريقه من المهندسين المعماريين عن التصميمات الخاصة بدور العبادة الثلاثة، اكتشفوا أن هناك أوجه شبه كثيرة فيما بينها إلى حد فاق توقعاتهم. وتابع كوهن "المثير هو أنك عندما ترجع إلى الماضي، تكتشف أنها تشترك في الكثير من الرموز الهندسية فهي لا تختلف عن بعضها البعض". وهي امر حقيقي ظهر في تحول بعض المباني الدينية من كنائس الى جوامع كما في كنيسة (آيا صوفيا) في تركيا او حالات معاكسة في دول أخرى ولم يكن بحاجة الى تغيير كبيرة تذكر.

مؤتمر اعلان المشروع ظهر فيه متدينون من الديانات الثلاث، والتصميم اعتمد التجريد وحذف عددا من العناصر التي تنتمي لكل الديانات كي لا يرمز لمجتمع معين، وقد تكون الكتب السماوية الثلاث المتجاورة كاستعارة شكلية للتصميم من الخارج. وهم بالتأكيد من المعتدلين كونهم اجتمعوا سويا، لكن يظهر ان المشكلة في تاويلات المجتمعات المتعصبة لهذا المبنى. وكيف سيتم البحث عن سبب لتكفير كل من يصلي او يقترب من هذا المبنى لاسباب قد تكون ثانوية نحن لا نستبق الاحداث، لكننا متاكدون من ان المثقفون لا يرفضون هكذا "وحدة مكانية" رغم الاختلافات الجزئية في الأفكار لتحقيق "وحدة فكرية". وهنا ستكون وحدة الرأي ان حدثت ناتجة عن التجربة والسلوك الناتج عن الاستخدام وليس الاقناع. وقد يكون المبنى يعيش في المثالية البعيدة عن الواقع ويصبح مزارا للـ"ملحدين" كمتحف وبالتأكيد سيفرحون ان فشلت التجربة.
 صورة مجسمة "للبيت الواحد"

Tuesday, October 7, 2014

مثقفون لا يرغبون بالتراث ..التراث كنظام وسط الفوضى

هل نتقبل منازلنا بتصاميم "تراثية" ؟
ملاحظة: استخدمت كلمة "تصاميم تراثية" للتعبير عن انتماء لزمن سابق. وليس مفهوم التقليدية او نقل الزمن السابق كما هو.
من الملفت حينما يتم تصميم منزل، او مبنى تجاري خاص، غالبا لا يرغب رب العمل باحتواء مبناهم على عناصر تراثية او ذات سمة تاريخية على الرغم من المعالجة وفق متطلبات الزمن المعاصر وليس نقلا عن السابق، وقد يؤيد كثير من المعماريون الشباب والممارسين للمهنة ذلك. وهذا الرفض وصل الى طبقة المثقفة أحيانا. فرغم قبول رب العمل بالتصاميم تجدهم يقارنوها بمناطق قد سافروا اليها وعاشوا تجربة الإقامة فيها او بقربها ويتقبلون فكرة الانتماء والهوية والجمالية التي تحملها تلك المناطق، الا انهم قد لا ينفذون التصاميم كما هي، وهذا الموقف يستحق البحث فيه.
"كل بيت يحتوي على قوس" يقال ان هذا كان احد القوانين الواجب تحقيقها لاصدار إجازة البناء للمنازل في لفترة من تاريخ العراق، ولم يتم تحديد نوع القوس وقياساته او عدد مرات تكراره في الواجهة لعلها تصنع في تكرارها نوعا من الانتماء. لكنها واجهت معارضة كبيرة من قبل المعماريين والسبب كونها تعارض "حرية التفكير والتصميم" الخاصة بكل مهندس معماري، وان تلك المحددات تقلل من ابداع المهندس المعماري في انتاج اشكال جديدة، وقد يكون (كل ممنوع مرغوب) احد أسباب هروب المعماري من ذلك القانون آنذاك.
“I don’t know why people hire an architect and then tell them what to do” Frank Gehry
اما على مستوى المخططات الافقية فان البيت البغدادي ذو الفناء الوسطي اصبح أيضا من المقترحات المرفوضة او غير الواقعية في اغلب تصاميم المنازل المعاصرة. والسبب الرئيسي هنا هو صغر المساحات المتوفرة للمنازل السكنية التي قد لا تستوعب احتواءها على الفناء بل ان الغرف اكثر أهمية من الفناء لغلاء سعر الارض بالإضافة الى تغير أسلوب حياة العائلة والرغبة في عزل الفضاءات الداخلية للمنازل او تقسيم المباني افقيا او عموديا لمواجهة أي توسع محتمل في العائلة (عائلة ممتدة).
الامتعاض من البناء، صفة ملازمة لاغلب ارباب العمل اثناء التنفيذ وصل مرحلة التهكم. اذ ان الشخص اذا أراد ان يصيب جاره او صديقه التعب يقول له "ان شاء الله يصير عندكم بناء ببيتكم" لما يصاحب ذلك من تأخر الإنجاز والاخطاء التنفيذية. والسبب غالبا هو عدم تكليف مهندس اثناء العمل بل ان قائد العمال (الخلفة) يدير العمل كما يريده هو وليس كما مخطط له. وفي ضياع التخطيط تضيع كثير من التفاصيل المصممة في الواجهة لانها قد تأخذ وقتا أطول او تحتاج الى كلف ومواد إضافية اثناء التنفيذ.
 اما عن الحرفيين فقد تضاءلت اعدادهم واخاصة اثناء فترة الحصار الاقتصادي الذي حل بالعراق عام 1991 وتوقف كل مظاهر البناء على مستوى المجتمع وتحولهم الى مهن أخرى اثر سلبا على الية البناء وخاصة في تفاصيل الواجهات.

ولكي نلخص الأسباب لابد من ذكر ان عمارتنا فقدت الكثير اثناء فقدانها الطابوق (جف قيم) كمادة رئيسية في تغليف الواجهة. واذا دخول الحجر في فترة ما كمادة انهاء الواجهات أطاح بالتراث سابقا كما تطيح الواح الامنيوم Composite Cladding بالتراث حاليا رغم ان الحجر اقوى واجمل من الالمنيوم. أي ان البناء يسير باتجاه الأسوأ مع مرور الزمن مالم يتم وضع قوانين تحدد ضوابط للمواد والية لتطبيق القانون.


وفي محاولة لوضع حلول بدلا من الانتقاد فقط, بالإمكان الاستفادة من تجربة (بلدية دبي) التي اعدت مواصفات وقوانين لكل مبنى من مبانيها، وشملت حتى القياسات والارتفاعات وأسلوب تركيب التفاصيل. ولم يشمل ذلك المباني الحديثة فقط، بل وضعت قانون خاص (للبيت العربي) وهو مشابه للبيت البغدادي لكن يختلف في التفاصيل الدقيقة فقط. اما عن طريقة تطبيق قانون البلدية فعندما سالت شخصا عراقيا مقيما في دبي صلاحيات بلدية دبي فاجابني في تشبيه سلطتها بـ "الشعبة الخامسة" الشهيرة في بغداد وان لا شي يوضع على الأرض في أي مكان من دبي الا بموافقة البلدية وموظفيها الحريصون جدا على تطبيق كل القوانين بدقة متناهية ونزولهم المفاجي في كل مواقع التنفيذ ومراقبة كل الاخطاء قبل حدوثها.

اما بالعودة لبغداد في زمن "الحرية"، اتوقع ان العودة لقانون القوس في الواجهة او تحديد مادة معينة في الانهاءات الخارجية اقل ضررا من بناء مدن عشوائية بالكامل من ناحية التخطيط والتصميم. حتى وان تم تطبيقه على مناطق محددة من بغداد لنكتشف حينها  هل ان تطبيق نظام وسط الفوضى افضل؟ ام ان الفوضى ضمن النظام افضل؟ رغم اني المقترح الأول اسهل تنفيذه.

اما على مستوى التطبيق في الوضع الحالي، يلاحظ ان الاكثار في التفاصيل التراثية كعناصر او علاقات او مواد انهاء يحافظ على  30% على اقل تقدير في تطبيقها. وان وضع عنصر تراثي واحد قد يتم تغييره والنتيجة 0% من المطلوب.

الصورة المرفقة تصميم منزل في المنصور لمواطن بغدادي من الطبقة المثقفة عملا بالنصيحة المذكورة أعلاه. علما ان رب العمل واحدا من اكثر الراغبين بتنفيذ المنزل كما تم تصميمه رغم التغيير في عدد الطوابق.







Sunday, October 5, 2014

الخطوة الاولى ...العمارة والمجتمع

في البدء شكري وتقديري الى الأستاذ (بلال سمير علي) التدريسي في الجامعة التكنولوجية – قسم هندسة العمارة، على ارشادي والهامي لفكرة التدوين الالكتروني وابارك له إصداره كتاب (عمارة مدبلجة – نصوص بين امرين) متمنيا له المزيد من العطاء والنجاح في هذا المجال وفي حياته الشخصية.
          بين العمارة والمجتمع تكمن اغلب الإجابات للتساؤلات والمشاكل التي يطرحها الناقدون على منظري وهواة العمارة.
Architecture cannot be understood without some knowledge of the society it serves”. Sir Hugh Maxwell Casson 1948
ويعتبر البعض العمارة "بانها مرآة لكل لحظة تاريخية" 
“Architecture is the mirror of every historical moment”  Daniele del Nero
كما هو الحال بالنسبة لمحترفي المؤثرات الصورية وهم يعكسون الصور التقليدية والذهنية الى واقع حال تجسيد العمارة. وهذا كامن في مجال اختصاصهم الذي يدرس ادق التفاصيل لتجسيد العمارة ودلالاتها الزمانية والمكانية



هذا الواقع التفت له الكثير من اشهر المعماريين العراقيين المعاصرين ومنهم المعمارية (زها حديد)، اذ قالت في جوابها على سؤال طرح في مقابلة تلفزيونية على قناة ال BBC  عام 2013  انها تمت دعوتها الى تصاميم معمارية وانها استجابت لتلك الدعوات المتكررة بناء على الرغبة المشتركة ولكنها في لقاء سبقه ب 7 سنوات  (بعد حرب 2003) انها تجد ان العراق بحاجة الى بنى تحتية وليس لتصاميم تقدمها هي للعراق وانها قد ترغب بالمشاركة مستقبلا. ذلك الرد يشير الى أهمية الانتباه لواقع حياة المجتمع الذي نصمم له. ومن المعروف ان زها حديد صممت عددا من المشاريع التي اثارت الجدل في دول المنطقة (الخليج والوطن العربي) وصل حد الاتهام بالكفر أحيانا، لكن ثبات المصممة على مبادئها وافكارها التي تطرحها بالإضافة الى التغير الاجتماعي الذي يجري في دول المنطقة جعل نفس تلك الدول تتهافت عليها للحصول على ايقونه يفخرون بها امام دول العالم وصل حتى الى الطلب منها في المشاركة بتصاميم المساجد والمباني الدينية.  أي ان البرجوازية لم تنجح في سياسة عدد كبير من الدول وليس بالضرورة نجاحها في العمارة.  ولكي ننصف المعماريين في أعمالهم لا بد من ان نذكر طبيعة المجتمع المتلقي لنتاجاتهم. وهذا الانصاف لا يبرئ المعماري من وقوعة ضمن مسؤولية اكبر وهو انه يصمم لمجتمع متعدد ومتنوع ليس له هدف ثابت او رؤية موحدة. أي ان التصميم في لمجتمعات متباينة فكريا وثقافيا وحتى اقتصاديا هو أكثر صعوبة من التصميم لمجتمع يحمل رؤيا ونظرة محددة لحاضره ومستقبله القريب على اقل تقدير. وان المثالية التي يطمح لها المعماري قد تصطدم بواقع حال مجتمعات ترغب بأبسط مقومات العمارة الإنسانية. وان خطأ المعماري هو خطأ كارثي قد لا ينتهي الا بحرق النتاج المعماري كما حدثت تاريخيا على يد مستخدميها. وكما أشار اليها الدكتور محمد مكية "خطا المعماري مضر للعمارة والبشرية"






لا بد من المعماريين المحليين ان يصمموا ليس بعيدا عن المجتمع, ولا حتى بعيدا عن البيئة التي ينتمي لها. فالمثالية العقلانية افضل من المثالية العالمية. فلا ينفع المجتمع ان تصمم قصورا يشاهدها فقط وهو لا يملك غرفة وبمواصفات لا إنسانية. وما يحدث الان هو ان المجتمع هم من يقود العمارة في بعض المناطق. اذ ان التجاوز والعشوائيات التي يتم بناءها وتوسعها تتم دون تدخل من المعماري لا في التخطيط ولا في التصميم رغم ان تكلفة البناء محليا قد تعتبر من الأعلى عالميا وان الانطلاق من معالجة هذا الواقع قد يكون خطوة اولى في النهوض بالواقع الحالي.