Friday, February 20, 2015

البعد الخامس في العمارة - م.م. زمن وضاء




البعد الخامس في العمارة
بقلم -  م.م.  زمن وضاء


         كم سيبدو رائعا امتلاكك لتفسير لكل شيء في هذا الكون . امتلاكك لنظرية صيغتها ومداها يتضمن ويغطي الإجابة عن كافة الاستفسارات والتساؤلات حول الكون والوجود والظواهر الفيزيائية بحيث يمكن أن تزيد ولكن لا يمكن أن تنقص.فعلى سبيل الافتراض وجود بعد يغطي مداه كافة الاحتمالات الممكنة لمسارات للأقدار ( حالة الكون ) ضمن خط الزمن ( المتفرعة من كل لحظة زمن ) بحيث يغطي هذا البعد كل الأقدار الممكنة التي التي يتعلق الوصول لكل منها اختيارها على ارادتنا ، ارادة الآخرين ، الحظ ( وهي ما نسميها مجتمعة بـ القدر ).

 

" النظرة المختلفة للاشياء"

كيف يمكن ان يتحقق هذا الافتراض؟
      تخبرنا ميكانيكا الكم بأن الجزيئات التحت ذرية والتي يتكون منها عالمنا تنهار معاملاتها كموجات احتمالية بفعل الملاحظة ولهذا فإنه في الصورة التي نرسمها لأنفسنا نستطيع ان نبدأ برؤية كيفية تسببنا بانهيار الموجة اللامحددة للاتجاهات المستقبلية المحتملة التي يتضمنها هذا البعد الجديد في خط البعد الرباعي الذي نعيه وهو الزمن .وردت هذه الفكرة في رواية " الرمز المفقود " لدون براون .
الرمز المفقود لداون براون ص63

     اما في العمارة يقول د علي ثويني "ان محتوى العمل المعماري يوجه من أعماق فيض فكر المعمار للناس الذين يمتعهم جمال ودفء وروح الإنجاز، وهكذا يبقى الشكل انعكاساً مادياً لمحتوى الإنجاز. وأختلف القوم في وجوب أن يكون الشكل جذابا يدغدغ شغاف القلوب،أو يكون نتاجا غير ذي شأن لحبكة وظيفية وجدوى معيشية". وهكذا فأن الممارسة الفنية في العمارة تعني نقل عواطف إنسانية مثلما ينقل الكلام أفكار البشر.

     ويمكن تلمس هذه العاطفة في عمران المدن التراثية التي تبدو وكأنها بيت كبير يحتضن نفوساً متحابة، فهي بالنتيجة تداخل بين الذاتي والموضوعي.وقد أمست المدينة بيت الجماعة،البيوت فيها خلايا نابضة بالحياة ودفء المشاعر وقربى النفوس. ويمكن أن يكون ذلك استرسالا من تراث الشرق القديم حينما أطلق العراقيون لفظة البيت على المدينة، ولم يكن سورها إلا حدوده وسياجه. وحدث أن أقتضبت لغويا كلمة بيت إلى باء، وهكذا نجد جل التسميات تبدأ بها مثل بغداد(بيت غدادو) وبصرة(بيت صراياثا) وبعشيقه(بيت العشيقة) وبعقوبه(بيت العقوبة) وبدرة (بيت ذرايا)...الخ. 

      وفي السياق العاطفي للعمارة نسرد ما قاله الشاعر الفرنسي (فاليري) شعرا: (العمارة هي ليست إلا شكلا من أشكال محبة الناس). ولا يمكن أن ينكر أحد أن عمارة تاج محل في الهند كانت ذروة التعبير عن جذوة المحبة التي أراد أن يكرسها (شاه جيهان) لزوجه (ممتاز)، وهي شهادة إسلامية في العمارة و امتداد لحالة إنسانية، دعا إليها الدعاة والرسل وتبنتها الأديان وآخرها الإسلام، جوهرها محبة الله وخلقه.


      مما تقدم نجد  ان بعدا خامسا ظهر بإلاضافةً للأبعاد الأربعة المعروفة في كل عمل فني وإبداعي هي الطول والعرض والعمق أو الارتفاع فضلاً عن البعد الرابع وهو الزمن ليضيف إليها البعد الخامس وهو (اللاوعي)، أو اللاشعور أو التلقائية في الخيال البعيد عن الوجود، بل الراسخ وجوده في الخيال العقلي، ويرتبط اللاوعي بسيكولوجية الإدراك، والقابلية على التأويل غير المرئي بل المدرك مرئياً من خلال العقل الباطن. ويشير المدفعي إلى التأثير الكبير للبعد الخامس (اللاوعي) في بناء التجربة الفنية وبناء العمل الفني من خلال الإرهاصات والانفعالات الشخصية التي يتأثر بها الشخص أو الشخصية المبدعة في نتاجه الفني. فالسراب في الصحراء هو لاوعي وهو بعد خامس وله واقعه الملموس في التفكير والبحث عن الحياة والاستقرار من خلال انفعالات ضاغطة في رؤيا الإنسان المبتكر ولاسيما الفنان المبدع 

ويقودنا هذا البعد الى مقارنة العمارة كفن وروحانيات وإدراك للجمال وبين العمارة كهندسة  هياكل إنشائية وخامات بناء وأرقام وأسعار وتكاليف وحسابات مادية مصدعة للرأس.

العمارة كهيكل انشائي:
       لقد تعاملت العمارة على مر العصور بحذر مع الواقع الإنساني والبيئي، مجبرة بحججها الرصينة على أن ترسم في كنفها خطا عقلانيا للهندسة والإنشاء وكذلك الفنون.
       ورغم اعتماد المعماري على الإنشاء كقيمة جوهرية والعلم كوسيلة لتحقيق الإنشاء، وبالرغم من اعتماد المعمار على الإنشائي وتأثره به، فان العمارة لم تشذ أنملة عن الفنون، ولا تزال تعتبر خير تجسيد لرهافة الحس وعمق الخيال فيها. وثمة أمور وخواص تكتنفها تلك الخامات الواردة من العلم والأجسام المتمخضة من النظم الإنشائية، التي مازال الإنشائيون والعلماء لا يفقهون كنهها وهي ثمرة ذلك الخيال المعماري الذي سوف يوظفها في تحقيق المنفعة والمتانة والجمال. وهذا يدخل في صلب مهمته الإنسانية، ويمكن اعتبار هذا المفهوم خير تعريف للعمارة في كل زمان ومكان.

العمارة فن روحاني :
      نجد ان المعماري لا يمكن أن يقلد رجل العلم لتحاشي حالة الإرباك العقلية والمنطقية التي تكتنفها، وهو الذي يفهم العمارة بالبصيرة والإدراك  perceptionبما لا يفهمه العقل. وهكذا فأن الإنشاء والهندسة لهما مبرر reason، ولكن للعمارة معنى meaningروحي عميق. وبالرغم من حضور الذكاء والعلم والخبرة ولكنها لا تتعدى الضرورة في توفر البصيرة والخيال والعواطف والمشاعر الجياشة. وبذلك فأن الأعمال النفعية المحضة تخدمنا، ولكنها لا تحرك مشاعرنا أو تثير بالضرورة الإحساس الفني و الشاعرية فينا. وبذلك فأن مهمة العالم والإنشائي أن يكشف للمعمار الحقائق وتبقى مهمة المعمار تحقيق ذاته خلالها، ليعكس بحسه روح العصر ومقتضيات البيئة التي يعيشها.

     لم يدر في خلد الساسة والمعماريين بان العمارة هي هندسة في جانبها المادي والرقمي، و يحظى في حيثياتها الجانب الروحي والأخلاقي والجمالي بالسبق، ويشكل قاعدة توازن بين المفهومين.والعمارة هي في العادة ممارسة إبداعية للارتقاء إلى حياة أفضل، وبحث دؤوب في خلق سكن أمن نفسي وجسدي، بينما الهندسة هي أسلوب البناء أو ما نسميها (تقانة) أي طرائق تنفيذ و حساب كمي وعددي كهدف أساس يراد منه: كذا وحدة سكنية، وكذا مساحة مبنية وكذا كتلة من مادة البناء.وهكذا فأنها عملية حساب كمي ثم ربحي، بينما تبقى العمارة دائماً هي عملية مقياس النوعية ومجس الاقتراب من الراحة والطمأنينة للإنسان.

     وخلاصة لذلك يؤسفنا اليوم للخلل الذي طرأ في تآصر الابعاد الاربعة (الطول,العرض,الارتفاع,الزمن) حينما دخلت المجتمعات في حمى سباق الأرقام وطغى تطور الهندسة والعلوم التي سايرت حيثيات الخطوط البيانية للاقتصاد والبورصة وتوابعها في الربح والخسارة و"معمعة المادة". ثم استطاعت أن تجذب العمارة إلى مواقعها حيث جرت لاهثة وراءها متناسية غايتها الأولى، ونفحات الروح التي تكتنفها وارتباطها السرمدي بالحس الإنساني و "البعد الخامس" لها.


Saturday, February 7, 2015

الصورة الذهنية للمدن والدول عالميا

الصورة الذهنية للمدن والدول عالميا

عندما يتم ذكر مدينة او دولة ما امامنا فاننا وبشكل تلقائي نتذكر صورة ملازمة لتلك الدولة بناءا على معلومات تلقيناها عنها او عن تجربة زيارتنا لها.. وقد يكون حاليا تاثرنا بالوسائل الإعلامية اكثر من كل المؤثرات الأخرى. وقد يشاركني البعض
باريس – حيث يقيم الحب وتصنع العطور
هولندا – عاصمة الزهور والجمال والطبيعة
دبي – مركز استثمار عالمي ومن اكثر المدن ابهارا. بالإضافة لكونها "زرق ورق "حسب وجهة نظر فد واحد.
بغداد – دار السلام "سابقا".. ارض الحضارات "سابقا" ... منارة العلم والعالم "سابقا". بينما حاليا "لا تعليق"



 
 

من السبب؟
 قد يكون الجهل سببا، وربما التزام الصمت إزاء هذا الموضوع، او احيانا المحاولة المنفردة دون مساندة جهة ذات قوة، النتيجة غابت الصورة التي نريد اظهارها للعالم عن اوطاننا، وبغياب أي صورة من صنع محلي مع غياب الاستراتيجيات الموجهة  Oriented Strategies من قبل الدولة  بعد عام 2003 فلا بد من بديل.. والبديل هو محطات الاخبار المسيسة. بلحقها أفلام هوليوود والبرامج التلفزيونية والالعاب الكترونية التي تقدم اوطاننا الى المتلقي العالمي كما تريد هي وليست من وجهة نظر محايدة، خاصة بعد فقدان "هواية القراءة" بين الجيل المعاصر عالميا (حسب دراسة امريكية). يضاف الى ذلك صورتنا عبر مواقع التواصل الاجتماعي المعاصرة التي أحيانا تدمر المتبقي من صورة اوطاننا دون حتى ان نعلم بذلك.

هل البرامج الأكثر مشاهدة عالميا تنصف مدننا؟
بالتأكيد كلا، فنحن لسنا من اولوياتهم وليس لهم مصلحة مادية او نفعية في نقل صورة محايدة. فمثلا حينما تم تصوير برنامج TOP GEAR بحضور جميع مقدميه (جيرمي كلاركسون، ريتشارد هاموند ،جيمس ماي) اجبروهم على ارتداء البدلات الواقية من الرصاص، مع خوذة حربية على رؤوسهم لزيادة الاثارة في البرنامج. وطلبوا منهم عدم خلع تلك الملابس حتى الخروج من العراق بسياراتهم التي اشترونها محاولين التوجه بها نحو إسرائيل عبر تركيا، هذه صورة لوطننا تظهر امام العالم في برنامج يتم ترجمته وعرضه بعدة لغات ويعرض بتكرار في عدد واسع من الدول، وهو من البرامج الفكاهية والجدلية والأكثر مشاهدة عالميا ومقدمي تلك البرامج من الشخصيات المؤثرة في الصورة الإعلامية الغربية. لانهم يمزجون بين المعلومة وبين المزاح والهزل بلا قيود. وفي نهاية البرنامج - وبعدما لم يصيبهم أي خدش في العراق – ذكروا انهم في أربيل وهي من المناطق الامنة دون باقي المناطق.

فلم هندي ...سينما اببلاش!!
          يقال عن فلان "صار فلم هندي" أو "صار سينما اببلاش" – تلك جمل يستعملها الشباب أحيانا لوصف حالة شخص بعد كشف موضوع سري او موقف محرج جدا امام الناس. للأسف صارت بغداد فلم امريكي... وصرنا فلم له واردات عالية جدا ومتربع قمة أفلام هوليوود لعدة أسابيع حتى الان. القصة هذا المرة مرتبطة باحداث حقيقية من حياة قناص امريكي اسمه Chris Kyle, وقد خدم في الجيش الامريكي الذي اقام في العراق بعد حرب 2003. وطالما ان الفلم يربط بين قصة حقيقية مع التاثيرات النفسية فانه بالتأكيد سيعتبر اقرب الى برنامج وثائقي وقابل للتصديق اكثر من البرامج الأخرى. يضاف الى ذلك كون الفلم حصل على جائزة افضل فلم لعام 2015 , وجائزة افصل اخراج للمخرج (كلينت ايستوود). ولكي ننصف الفلم فانه لا يخلو من حقائق  حدثت وتحدث الان لكنها ليست الصورة المطلقة. اما من ناحية الصورة المعمارية فان الفلم اكد على وجود اشعة شمس قوية مع وجود عاصفة ترابية (عجاجة) قبل نهاية الفلم. اما محاولات زرع النخيل في المغرب او التحدث بالعربية للتقريب من الصورة المحلية فهي تنطلي على غير العراقيين فقط.

مادة دسمة...
اتذكر نقاشي قبل اكثر من 4 سنوات مع "وونغ" - وهو مراسل قناة CCTV الصينية - الذي  تعرفت عليه لثناء تصوير لبرنامج عن عمارة بغداد وعن دور مواقع التواصل الاجتماعي في تلك النقاشات . وكان من المولعين بقصص الف ليلة وليلة. وذكر بلغته الانكليزية الجيدة انه يحب مشاهدة جميع القصص الكارتونية اليابانية عنها حتى بعدما دخل المدرسة الثانوية. ولا اذكر اني شاهدت عملا فنيا محليا يتناول تلك القصص. وقد أكون شاهدت فلما كارتونيا محليا اختفى عن الاعلام منذ دخول أفلام "ابطال الدجتال" او "سبونج بوب" وغيرها من الأسماء الاستهلاكية التي ظهرت بكثرة للتسويق لمنتجات شركات صنع دمى الاطفال.

          حاليا لدينا الكثير من القصص التي تظهر في أفلام ومسلسلات وعالمية منها NCIS,CSI,LOST. والشي المشترك فيها هو الخطف او القتل او التعصب والتفجيرات. عمليا تلك السناريوهات مقبولة لدى المتابع والمستقبل بسبب مقبولية الصورة السائدة  للبلد كمصدر العنف، ولا يوجد من يقدم غير ذلك كما تفعل بعض دول الجوار باستقبال تصوير افلا مثل  Mission Impossible على أراضيها وتقيم مهرجانات عالمية لهم.
 اما القنوات الإخبارية فقد مارست كل أساليب الهدم والتشويه والاستفزاز في العراق بعد الحرب. وظهرت لاحقا انها التزمت الصمت سابقا لكونها مشموله بـ (اكراميات) وكوبونات نفط لتلميع الصورة. معتمدين على استنتاجات وتوصيات رسالة جامعية لطالب دراسات عليا مقدمة الى كلية الاعلام /جامعة بغداد حول اثر القنوات الإخبارية على اسقاط الدول ونشر الاشاعات. تعتبر تلك الرسالة من اهم الرسائل العلمية الاعلامية لكن يعاب عليها ان مقدمها "العراقي" لم يعمل بها وكان سلبيا تجاه بلده في نشر التشويه والاشاعات.

مقترح
ختاما، ان ما نفعله نحن سيظهر للعالم ان كان سلبيا او إيجابيا. خاصة بعد دخول كافة تكنولوجيا العولمة حتى الى البيوت ولا بديل عنها. فاما ان يتم انتهاج الدولة لسياسية تثقيف بأهمية صورتنا الإعلامية الحالية والتي ستكون كصورة ذهنية لنا وللعالم لاحقا.
 وهذا بحاجة الى:
-         وجود خطة على مدى أجيال على عاتق الوزارات المختصة.
-         زيادة الوعي والثقافة والعلم كأساس للنقطة أعلاه.
-         قيام نهضة عمرانية حقيقة وشاملة بعد تحقيق النقطتين أعلاه.
-         اعتماد لوبي من خبراء لإيصال الصورة او "تلميعها" بشرط تحقيق جميع النقاط أعلاه.
ملاحظة: هذه النقاط وجهة نظر غير متخصصة. وعلى المتخصصين ان يقدموا ما لديهم.


رابط مقدمة عن الفلم